فنانة تشكيلية ورسامة كرتون شابة تحولت بين عشية وضحاها لمحور حديث مواقع التواصل الاجتماعي وبات اسمها يتداول كتجسيد لفكرة "ترك الأثر" فما القصة؟
محاسن الخطيب من شمالي قطاع غزة وتحديدا من معسكر جباليا الذي يشهد عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة منذ أسبوعين، اشتهرت برسوماتها التي تجسد واقع الحرب المؤلم وتمزجه بخيال الفن حيث السلام ومحاولة البقاء والمقاومة ولو بريشة فنان.
أشهر رسوماتها التي تداولها النشطاء على نطاق واسع كانت لطفل يصد لهيب النار المشتعلة من حوله جراء القصف الذي بدا كوحش يحاول التهامه بيديه الصغيرتين، هكذا كانت محاسن تحول واقع الحرب لرسومات ومن هنا ذاع صيتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن القصة لم تنته بعد.في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة وأهله وانقطاع فرص التدريب المباشر اتجهت محاسن لإعطاء تدريبات اتقان فنون الرسم عن بعد باستخدام الإنترنت، فكان عشاق هذا الفن حريصون على حضور دوراتها التعليمية للتحول من هواة لمحترفين.
محاسن فاجئت الجميع بمنشور عبر حسابها الشخصي على فيسبوك قالت فيه إنها "تتبرع بمحتوى هذا التدريب العلمي كصدقة جارية على روحها في حال ما قتلت في هذه الحرب".
وبالفعل، تحققت نبوءة محاسن وقُتلت في القصف الذي شهده مخيم جباليا ليلة الجمعة وأُصيب أفراد عائلتها بحسب ما ذكره أبو كريم الخطيب، خال محاسن، في تصريحات لبرنامج "غزة اليوم" المذاع عبر بي بي سي.
تحول منشور الفنانة الشابة الذي أتاحت فيه مادتها العلمية بالمجان لتريند على مواقع التواصل الاجتماعي وحصد عشرات الآلاف من المشاركات والمشاهدات والتعليقات.
كانت محاسن قد نشرت لها صورة شخصية عبر حسابها على فيسبوك وذيلتها بتعليق:" عشان بس أموت تلاقوا صورة إلي".
ويمضي الخال المكلوم في الحديث عن ابنة أخته قائلا: "محاسن الطيبة الخدومة كان لها جمهور خاص بها من محبيها من كافة الشرائح، كل من له علاقة بفن الرسم كان على تواصل معها وكانت تتمتع بمحبة الجميع لأنها كانت تؤمن بأن خير طريقة للخلود هي العطاء، كان هذا هو مبدأها في الحياة الذي عاشت عمرها الصغير في محاولة لتطبيقه".
ويقول: "كان العطاء لديها متعة في حد ذاتها لذلك لم نستغرب تصرفها عندما أتاحت مادتها العلمية التي هي مصدر رزقها الوحيد بالمجان لكل من يحتاج إليها".
وعن آخر ما قالته له من كلمات قبل وفاته يسكت الرجل ليلتقط أنفاسه ثم يقول بنبرة باكية: "لا إلى إلا الله محمد رسول الله... كانت قريبة جدا لقلبي والتواصل بيننا أبدا لم ينقطع وكانت تخبرني برغبتها في رؤيتي وزوجتي وبناتي فور انتهاء الحرب".
ويضيف: "كانت تقول لي: اشتاقت يا خال، هذا آخر ما سمعته منها قبل رحيلها في الحادية عشر من مساء ليلة أمس الجمعة عندما تم قصف المنزل المجاور لها بالبراميل المتفجرة كتمهيد ميداني لاستهداف مستشفيي كمال عدوان والإندونيسي، فتم قصف المنازل المجاورة لهما ما أدى لمقتل 33 مدنيا من سكان هذه المنازل كانت من بينهم محاسن فضلا عن إصابة 70 آخرين من بينهم أفراد عائلتها".
واختتم الخطيب موجها كلمة لكل من سيستخدم المادة العلمية التي أتاحتها محاسن بالمجان قبل مقتلها قائلا: " اذكروها بالخير واطلبوا لها الرحمة واسلكوا سلوكها في العطاء وفي ترجمة محبتها للناس لأعمال تخلد ذكراكم بعد الرحيل مثلما فعلت".
إرسال تعليق