الرئيسية » » المؤامرة الكاملة للإخوان للقبض على الفريق السيسي

المؤامرة الكاملة للإخوان للقبض على الفريق السيسي

on الأحد، 24 نوفمبر 2013 | 5:10 ص

فى‮ ‬الحلقة الثالثة من كتاب‮ «‬سقوط الإخوان‮.. ‬اللحظات الأخيرة بين مرسى‮ ‬والسيسى» الذى‮ ‬يصدر هذا الأسبوع عن الدار المصرية - اللبنانية بالقاهرة ومركز أبحاث‮ «‬المزماه‮» ‬بدبى‮، ‬يروى‮ ‬الكاتب الصحفى‮ ‬الزميل مصطفى‮ ‬بكرى‮ ‬تفاصيل المؤامرة التى‮ ‬أعدها مكتب الإرشاد ورئيس الجمهورية للقبض على‮ ‬الفريق السيسى‮ ‬وعدد من أبرز قيادات الأجهزة الأمنية وبعض رموز الإعلام والعمل السياسى ‬فى‮ ‬مصر‮.‬

كانت الخطة تقضى ‬بالتنفيذ فى ‬أعقاب خطاب الرئيس مرسى ‬مساء السادس والعشرين من‮ ‬يونيو، إلا أن اللواء محمد زكى، ‬قائد الحرس الجمهورى، ‬أجهض المخطط بعد أن أبلغ‮ ‬وزير الدفاع بكافة تفاصيله‮.‬

فى ‬وقت متأخر من مساء الثلاثاء‮ ‬25‮ ‬يونيو ‬2013،‮ ‬كانت تفاصيل المؤامرة قد اكتملت أمام القائد العام للقوات المسلحة،‮ ‬صدرت التعليمات بنزول الجيش إلى ‬الشارع فى ‬وقت مبكر من صباح الأربعاء‮ ‬26‮ ‬يونيو‮.‬

وبالفعل انتشرت الدبابات والمدرعات وقوات الجيش فى ‬جميع المناطق الحيوية بالبلاد فى ‬الفترة من‮ ‬5‮ ‬إلى‮ ‬8‮ ‬صباحاً،‮ ‬كانت خطة الانتشار دقيقة للغاية،‮ ‬وكانت قيادة الجيش قد نجحت فى ‬تكتم الأمر إلى ‬الدرجة التى ‬فاجأت الرئيس نفسه‮.‬

كانت الخطة تستهدف القبض على ‬المئات من الإعلاميين وقادة جبهة الإنقاذ وشباب «تمرد» والمعارضين وعدد من كبار مسئولى ‬الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية.‬

وقد حددت الخطة التى ‬أعدها مكتب الإرشاد وأشرف عليها المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد،‮ ‬موعد التنفيذ فى ‬أعقاب خطاب الرئيس مرسى ‬يوم السادس والعشرين من‮ يونيو‮.‬

فى ‬مساء ذات اليوم الخامس والعشرين من‮ ‬يونيو،‮ ‬التقى ‬اللواء محمد زكى ‬قائد الحرس الجمهورى ‬بالفريق أول عبدالفتاح السيسى،‮ ‬كان اللقاء سرياً،‮ ‬لقد جرى ‬اتخاذ كافة إجراءات الحيطة والحذر حتى ‬لا‮ ‬يعلم الرئيس أو أى ‬من أعوانه بهذا اللقاء‮.‬

لقد أبلغ‮ ‬اللواء محمد زكى ‬الفريقَ أول عبدالفتاح السيسى ‬بفحوى ‬ما جرى ‬بينه وبين الرئيس مرسى،‮ ‬حيث كشف النقاب عن أن الرئيس محمد مرسى ‬استدعاه وأبلغه بأن هناك مؤامرة تحاك ضد الرئيس وضد نظام الحكم،‮ ‬وأنه‮ ‬يطلب منه الاستعداد للقبض على ‬المتورطين فى ‬هذه المؤامرة مع وعد له بتعيينه وزيراً للدفاع‮.‬

وتضمنت الخطة القبض على ‬36‮ ‬ إعلامياً وصحفياً معارضاً والقبض على ‬قادة جبهة الإنقاذ وعدد من قيادات شباب‮ «‬تمرد‮» ‬وبعض المعارضين الآخرين،‮ ‬غير أن أخطر ما تضمنته الخطة هو القبض على ‬الفريق أول عبدالفتاح السيسى ‬والفريق صدقى ‬صبحى ‬و34‮‬ قيادة عسكرية أخرى،‮ ‬والقبض على ‬رئيس جهاز الأمن القومى ‬ورئيس المخابرات العامة ووزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الوطنى ‬بعد صدور قرارات بعزلهم فى ‬أعقاب خطاب الرئيس مساء الأربعاء‮ ‬26‮ ‬يونيو2013‭ ‬.

وتضمنت الخطة أيضاً قيام بعض أعضاء التنظيم الخاص لجماعة الإخوان بارتداء الملابس الشرطية والعسكرية واستخدام عدد من سيارات الشرطة التى ‬تم سرقتها فى ‬أوقات سابقة للقيام بمهام القبض على ‬بعض هذه العناصر جنباً إلى ‬جنب مع قوات الحرس الجمهورى ‬التى ‬ستتولى ‬تنفيذ هذه المهمة‮.‬

لم‮ ‬يكن وزير الدفاع مفاجأً بهذه الخطة،‮ ‬لقد كان‮ ‬يعلم أن «مرسى» ‬ينتظر الوقت المناسب للإطاحة به وبعدد آخر من القيادات السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية،‮ ‬لكنه بدا مندهشاً أمام إصراره على ‬الإطاحة بالجميع بدلاً‮ ‬من إيجاد حل للأزمة المتصاعدة فى ‬البلاد‮.‬

كانت الخطة التى ‬جرى ‬الاتفاق عليها بين الفريق أول السيسى ‬واللواء محمد زكى ‬تقضى ‬بمراوغة الرئيس حتى ‬الصباح دون أن‮ ‬يتطرق إليه الشك فى ‬أى ‬شىء.‬

كان خيرت الشاطر قد أعد القائمة وعناوين سكن المطلوبين وأماكن تحركاتهم،‮ ‬كما جرى ‬إخطار‮ ‬250‮ ‬من أعضاء التنظيم الخاص للإخوان بالاستعداد لتنفيذ بعض المهام الخاصة فى ‬مساء السادس والعشرين من‮ ‬يونيو‮.‬

بعد انصراف اللواء محمد زكى، ‬قائد الحرس الجمهورى،‮ ‬التقى ‬وزير الدفاع ببعض أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة وأبلغهم بمضمون المخطط،‮ ‬فجرى ‬الاتفاق على ‬استباق المخطط ووأده من خلال نشر قوات الجيش المصرى ‬فى ‬كافة المناطق الهامة والحيوية فى ‬القاهرة الكبرى ‬والمحافظات، وبالفعل بدأت القوات فى ‬تنفيذ خطة الانتشار السريع،‮ ‬واستطاعت بالفعل فى ‬الفترة من‮ ‬5‮ ‬إلى ‮ ‬8‮ ‬صباحاً أن تحقق الانتشار فى ‬كافة المناطق المحددة‮.‬

وفى ‬صباح السادس والعشرين من‮ ‬يونيو فوجئ الرئيس مرسى ‬بانتشار القوات المسلحة دون التشاور معه،‮ ‬اتصل بالفريق أول عبدالفتاح السيسى ‬وسأله عن الأسباب التى ‬دعته إلى ‬نشر القوات دون التشاور معه،‮ ‬فأبلغه «السيسى» ‬بأن نشر القوات هو إجراء احترازى ‬لحماية البلد من مخاطر المظاهرات التى ‬ستنطلق فى ‬يوم الجمعة الثامن والعشرين من‮ ‬يونيو والتى ‬سوف تستمر حتى ‬الأحد‮‮ 03 يونيو.

أدرك الرئيس مرسى ‬أن الفريق أول السيسى ‬ربما‮ ‬يكون قد وصلت إليه معلومات حول مخطط العزل والقبض تكون قد دفعته إلى ‬استباق عامل الزمن واتخاذ هذه الإجراءات،‮ ‬حاول خداعه،‮ ‬ودعاه إلى ‬لقاء بالقصر الجمهورى ‬فى ‬الحادية عشرة صباحاً لمناقشة مضمون الخطاب،‮ ‬لقد أراد «مرسى» ‬إدخال الطمأنينة إلى ‬قلب وزير الدفاع وإبعاد الشكوك التى ‬لديه‮.‬

وخلال هذا الاتصال أراد الفريق أول عبدالفتاح السيسى ‬أن‮ ‬يبعث برسالة أيضاً إلى ‬الرئيس،‮ ‬عندما قال له‮ «‬إن لدينا معلومات تقول بأن هناك عناصر من شباب الإخوان تنوى ‬التحرك مساء للقبض على ‬بعض المعارضين بعد أن‮ ‬يرتدوا الملابس العسكرية والشرطية»،‮ ‬وقال السيسى: «‬إننى ‬أحذر من خطورة هذه الخطوة التى ‬تمثل عدواناً على ‬القانون والمجتمع،‮ ‬وإن الجيش سوف‮ ‬يتصدى ‬بنفسه ويلقى ‬القبض على ‬هذه العناصر حال قيامها بتنفيذ هذه المهمة‮».‬

أدرك الرئيس مرسى ‬فى ‬هذا الوقت أن الفريق أول السيسى ‬على ‬علم كامل بالمخطط،‮ ‬قال له إنه لا‮ ‬يصدق أن أحداً فى ‬جماعة الإخوان‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقدم على ‬هذه الخطوة،‮ ‬وأنه سوف‮ ‬يتخذ الإجراءات القانونية ضد كل من‮ ‬يحاول الخروج على ‬القانون مهما كان حجمه أو منصبه‮.‬

فى ‬هذا اليوم، جاء إلىَّ‮ ‬اتصال من مسئول أمنى ‬كبير وحذرنى ‬من هذا المخطط،‮ ‬وقال: حاول ألا تبقى ‬فى ‬منزلك اليوم،‮ ‬وأبلغ‮ ‬أسرتك بأن‮ ‬يكونوا حذرين إذا ما جاءتهم عناصر ترتدى ‬ملابس الشرطة أو الجيش أو الحرس الجمهورى،‮ ‬فقلت له: لن أترك بيتى ‬مهما حدث‮.‬

كانت الأجهزة الأمنية المختلفة فى ‬سباق مع الزمن،‮ ‬تتابع المعلومات والتحركات وتضع الخطط البديلة للمواجهة حال إقدام الرئيس على ‬اتخاذ قرار بتنفيذ الخطة التى ‬يمكن أن تؤدى ‬إلى ‬أزمة كبرى ‬بالبلاد،‮ ‬أما الجيش فقد اتخذ كافة إجراءاته الأمنية التى ‬تحول دون اتخاذ الرئيس لهذه الإجراءات‮.‬

فى ‬هذا الوقت طلب اللواء رأفت شحاتة رئيس المخابرات العامة من الفريق أول عبدالفتاح السيسى ‬إصدار تعليماته لحماية مبنى ‬المخابرات العامة الذى ‬كان مستهدفاً اقتحامه من قِبل الميليشيات وأعضاء التنظيم الخاص بهدف القبض على ‬قياداته ووضع أيديهم على ‬كافة الوثائق والمعلومات بما‮ ‬يفضى ‬إلى ‬تكرار سيناريو اقتحام مبنى ‬مباحث أمن الدولة فى ‬مارس 2011.‬

وعلى ‬الفور أصدر القائد العام للقوات المسلحة أوامره بإرسال العديد من الدبابات والمدرعات لحماية مبنى ‬المخابرات العامة بكوبرى ‬القبة،‮ ‬وتم إدخال هذه الآليات العسكرية إلى ‬داخل مبنى ‬الجهاز فى ‬فجر الأربعاء ‮ ‬26‮ ‬يونيو،‮ ‬وحتى ‬لا‮ ‬يلفت وجودها فى ‬الخارج عناصر هذه الجماعة لقد أرسل الرئيس مرسى ‬فى ‬هذا اليوم الدكتور أحمد عبدالعاطى ‬الذى ‬التقى ‬المرشد العام للجماعة والمهندس خيرت الشاطر وأبلغهما بمضمون الاتصال الذى ‬جرى ‬بين الرئيس والفريق أول عبدالفتاح السيسى،‮ ‬ونقل إليهما رسالة من الرئيس طالب فيها بتأجيل تنفيذ خطة القبض على ‬القيادات المستهدفة خاصة بعد نزول آليات الجيش وانتشار قواته فى ‬الشارع،‮ ‬ولم‮ ‬يكن أمامهما من خيار آخر،‮ ‬وقررا الانتظار لتنفيذ الخطة فى ‬الوقت المناسب‮.‬

قبلها بأيام قليلة كان بعض مساعدى ‬الرئيس قد بدأوا فى ‬إجراء اتصالات بعدد من قادة الجيش،‮ ‬اتصلوا باللواء أحمد وصفى ‬قائد الجيش الثانى،‮ ‬وبالفريق صدقى ‬صبحى ‬رئيس الأركان،‮ ‬واللواء توحيد توفيق قائد المنطقة المركزية بزعم التفاوض حول مستقبل البلاد،‮ ‬فكانت الإجابة واحدة‮ «‬مصر ليس فيها سوى ‬وزير دفاع واحد اسمه الفريق أول عبدالفتاح السيسى»‬،‮ ‬وبعد أن فشلوا فى ‬إقناع أيٍّ‮ ‬من قادة الجيش بالتواصل،‮ ‬كان الخيار الآخر هو العزل والقبض الفجائى ‬على ‬جميع القيادات‮!!‬

فوجئ الرئيس مرسى ‬بانتشار القوات المسلحة فى ‬شتى ‬أنحاء البلاد،‮ ‬أدرك أن «السيسى» ‬ربما‮ ‬يكون قد اكتشف ما كان‮ ‬يُدبَّر له وللآخرين،‮ ‬طلب مقابلته فى ‬الساعة الحادية عشرة من صباح الأربعاء،‮ ‬أى ‬نفس‮ ‬يوم الخطاب،‮ ‬وكانت الحجة أنه‮ ‬يريد الاستماع إلى ‬رأيه فى ‬الخطاب الذى ‬سيلقيه أمام الشعب مساء ذات اليوم‮.‬

كان الفريق أول السيسى ‬يدرك أن ساعة المواجهة النهائية قد اقتربت،‮ ‬إلا أنه ظن أن الرئيس ربما‮ ‬يكون قد راجع نفسه،‮ ‬فحاول إنقاذ المركب فى ‬اللحظات الأخيرة قبل أن يغرق بمن عليه‮.‬

على ‬مدى ‬ساعتين دار حوار جدلى ‬بين الطرفين،‮ ‬تم التوصل فى ‬نهايته إلى ‬ضرورة أن‮ ‬يتضمن الخطاب خمس نقاط أساسية هى‮:‬

1‮ ‬ـ إقالة حكومة هشام قنديل وتكليف شخصية مستقلة تتولى ‬هى ‬تشكيل الحكومة دون تدخل من الرئيس أو جماعة الإخوان‮.‬

2‮ ‬ـ إقالة النائب العام المستشار طلعت إبراهيم فوراً،‮ ‬والطلب من مجلس القضاء الأعلى ‬تعيين نائب عام جديد وفقاً للشروط المنصوص عليها فى ‬الدستور وقانون السلطة القضائية‮.‬

3‮ ‬ـ الإعلان فوراً عن تشكيل لجنة للتعديلات الدستورية،‮ ‬على ‬أن‮ ‬يتعهد الرئيس بضمان تنفيذ التعديلات المقترحة وإنهاء عمل اللجنة فى ‬فترة زمنية لا تزيد على ‬شهر من تاريخ تشكيلها،‮ ‬لتضع حداً للخلاف الناشب بين قوى ‬المجتمع حول الدستور الجديد‮.‬

4‮ ‬ـ موافقة الرئيس على ‬إجراء استفتاء شعبى ‬حول الانتخابات الرئاسية المبكرة،‮ ‬والتأكيد على ‬حيادية الرئيس ومؤسسة الرئاسة بين جميع المصريين،‮ ‬دون انحياز لفصيل على ‬حساب الآخرين،‮ ‬باعتبار أن الرئيس هو رئيس لكل المصريين‮ ‬وليس فقط ممثلاً‮ ‬لتيار جماعة الإخوان‮.‬

5‮ ‬ـ الدعوة إلى ‬تحقيق المصالحة الوطنية بين كافة أبناء مصر،‮ ‬والتوقف عن سياسة تصفية الحسابات مع المعارضين أو رموز النظام السابق‮.‬

فى ‬هذا الوقت كلف الفريق أول السيسى،‮ ‬الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوات الدفاع الجوى، بالتواصل مع طارق خليل، أحد مستشارى ‬الرئيس والقيادى ‬بجماعة الإخوان، لإعداد مضمون الخطاب الذى ‬سيلقيه الرئيس مساء ذات اليوم فى ‬قاعة المؤتمرات بمدينة نصر‮.‬

وتم الاتفاق على ‬أن‮ ‬يلتقى ‬الطرفان فى ‬الخامسة مساء،‮ ‬أى ‬قبل أن‮ ‬يلقى ‬الرئيس خطابه بقليل‮.‬

فى ‬هذا اليوم كنت قد كتبت مقالاً‮ ‬بجريدة‮ «‬الوطن‮» ‬بعنوان‮ «‬الجيش‮ ‬يدق على ‬الأبواب» ‬توقعت فيه انحياز الجيش للشعب وتسلم السلطة فى ‬البلاد،‮ ‬ثم تسليمها إلى ‬رئيس المحكمة الدستورية العليا،‮ ‬حدثنى ‬قائد عسكرى ‬كبير وقال لى «‬لا تخف على ‬مصر،‮ ‬الجيش لن‮ ‬يترك البلاد تسقط ولن‮ ‬يسمح باشتعال الحرب الأهلية‮».‬

كانت أجواء التوتر هى ‬المسيطرة على ‬البلاد فى ‬هذا الوقت،‮ ‬المظاهرات والاعتصامات تتصاعد،‮ ‬وحكم محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية الذى ‬صدر فى ‬الثالث والعشرين من‮ يونيو‮ ‬يحدث جدلاً‮ ‬واسعاً فى ‬البلاد،‮ ‬فالرئيس و34‮‬ من قيادات جماعة الإخوان متهمون بالتخابر وارتكاب عدة جرائم جنائية‮.‬

وكانت الإهانات التى ‬وجهها مجدداً الشيخ حازم أبوإسماعيل ضد وزير الدفاع وقادة الجيش قد أثارت حالة من الاستياء الشديد لدى ‬أبناء المؤسسة العسكرية جميعاً، خاصة عندما قال‮: «‬إن السيسى ‬تجاوز‮ ‬تجاوزاً شديداً واخترق الدستور اختراقاً بالغاً وارتكب جريمة فى ‬حق البنيان الدستورى ‬الذى ‬أقسم على ‬احترامه‮»‬،‮ ‬وقال فى ‬صفحته على «‬الفيس بوك‮»: «‬لا بد إذا كانت هذه البلد قد بقى ‬منها من الرجال من‮ ‬يكفى ‬لعزِّها وكرامتها وشرفها أن‮ ‬يُحاسَب على ‬ذلك حساباً مشهوداً ما دام صامتاً ولا‮ ‬يصحح‮»‬،‮ ‬وقال‮: «‬إن من‮ ‬يقبل خرق الدستور اليوم دون أن تثور كرامته‮ ‬يتجرع المر‮ ‬غداً ولا عذر له‮»!!‬

وفى ‬هذا اليوم التقت السفيرة الأمريكية‮ «‬آن باترسون‮» ‬اللواء محمد العصار -مساعد وزير الدفاع- الذى ‬أبلغها رفض القوات المسلحة تدخلها فى ‬الشأن الداخلى ‬المصرى ‬وتحذير الجيش من التدخل من خلال التصريحات الصحفية التى ‬تدلى ‬بها،‮ ‬إلا أن‮ «‬باترسون‮» ‬راحت تبلغ‮ «‬العصار» أن واشنطن لن تسمح للجيش بأى ‬انقلاب على «‬الشرعية‮»!!‬

سخر المصريون كثيراً من التصريح الذى ‬أدلى ‬به الدكتور محمد على ‬بشر، القيادى ‬الإخوانى ‬ووزير التنمية المحلية، الذى ‬قال فيه‮ «‬إن رئيس الحكومة كان بيفك الكرافتة ونقعد عرقانين فى ‬اجتماعات مجلس الوزراء لترشيد استهلاك الكهرباء‮».‬

كانت أزمة الكهرباء قد تفاقمت،‮ ‬وأصبح من الطبيعى ‬أن تنقطع الكهرباء‮ ‬يومياً من‮ ‬4‮ ‬إلى‮ ‬6‮ ‬ساعات فى ‬المنازل والمحال،‮ ‬ولم‮ ‬يستثن من ذلك حتى ‬المستشفيات والمؤسسات الحكومية والخاصة تصرخ ولا أحد‮ ‬يجيب‮.‬

كانت عمليات الحشد ليوم الثلاثين من‮ يونيو تمضى ‬على ‬قدم وساق،‮ ‬بدأت قوات الحرس الجمهورى ‬تغلق بوابات قصر الاتحادية بالكتل الخرسانية‮.‬

كما تم إغلاق الشوارع المؤدية للقصر الجمهورى ‬بالاتحادية بالحواجز والأسلاك والكتل الأسمنتية‮.. ‬ساد القلق أنحاء البلاد بعد أن نشرت الصفحة الرسمية لجريدة‮ «‬الحرية والعدالة‮» ‬بياناً منسوباً لمصادر مقربة‮ ‬يقول إن خطاب الرئيس مساء اليوم سوف‮ ‬يتضمن إجراءات حازمة وقوية،‮ ‬أبرزها‮:‬

1‮‬- دعوة الشعب للاستفتاء العام على ‬إلغاء أحكام المحكمة الدستورية العليا منذ‮ ‬25‮ ‬يناير ‮‬2011،‮ ‬والتحقيق فى ‬بعض ما نسب لأعضائها السابقين والحاليين‮.‬

2‮‬- عودة مجلس الشعب الذى ‬تم حله ظلماً فى ‬إطار تسييس المحكمة‮.‬

3‮‬- إلغاء أحكام المحكمة المتعلقة بالحكم الصادر الذى ‬يمنح رجال الجيش والشرطة حق التصويت فى ‬الانتخابات ويمنع على ‬القيادات العسكرية الترشح للرئاسة قبل‮ ‬4‮ ‬سنوات‮.

4‮ ‬- إحالة‮ ‬84‮ ‬قاضياً للتحقيق‮.‬

5- اعتقال تحفظى ‬لقيادات جبهة‮ «‬الخراب‮» ‬ومساعديهم‮ (‬يقصد جبهة الإنقاذ‮).‬

6- إصدار أوامر للشرطة بإطلاق الرصاص على ‬أى ‬ملثم‮ ‬يرتدى ‬القناع‮.‬

7‮‬- ‬إغلاق قنوات‮ «‬الفتنة‮» -‬يقصد المعارضة- فى ‬مدينة الإنتاج الإعلامى‮.‬

8- اعتقال الإعلاميين العاملين فى ‬هذه القنوات‮.‬

9‮‬- التأكيد على ‬تجريم الأحزاب وعلاقتها بالمخابرات الخليجية‮.‬

لم‮ ‬ينفِ أى ‬من المسئولين هذه الادعاءات والبيانات التى ‬راحت تنقلها مواقع التواصل الاجتماعى،‮ ‬بعدها نشرت البوابة الإلكترونية لصحيفة‮ «‬الوطن‮» ‬المصرية المستقلة معلومات،‮ ‬نقلت فيها عن مصادر عليمة قولها‮ «‬إن جماعة الإخوان تعلن حالة الاستنفار القصوى ‬داخل قواعدها استعداداً لقرارات مهمة سوف‮ ‬يعلنها الرئيس مرسى ‬مساء ذات اليوم‮».‬

وأكدت المصادر لـ«الوطن‮» ‬أن جماعة الإخوان عقدت اجتماعات مغلقة للشُعب والمناطق على ‬مستوى ‬الجمهورية خلال الساعات الأربع الماضية تتضمن خطة التنظيم وحلفائه من الإسلاميين بدءاً من مساء اليوم الأربعاء 26 يونيو حتى الثلاثاء التالى ‬للتعامل مع المظاهرات المتوقعة‮.‬

وأكدت المصادر أنه تم إبلاغ‮ ‬هذه القواعد بالتحرك ابتداء من الساعة السابعة مساء ذات اليوم،‮ ‬وقبل خطاب الرئيس مرسى ‬بنحو ساعتين ونصف الساعة فى ‬جميع المحافظات،‮ ‬خاصة أن الرئيس سوف‮ ‬يُصدر قرارات مهمة أقوى ‬من قراره السابق بإقالة المشير طنطاوى ‬والفريق سامى ‬عنان،‮ ‬وقالت المصادر الإخوانية لـ«الوطن‮»: «‬إن التعليمات تتضمن حشداً قوياً فى ‬قاعة المؤتمرات أثناء خطاب الرئيس،‮ ‬وأيضاً تنظيم مسيرات أخرى ‬حاشدة بالتعاون مع الإسلاميين فى ‬القاهرة والمحافظات الأخرى ‬بهدف السيطرة على ‬الميادين الرئيسية‮».‬

وأوضحت المصادر أنه من المرجح أن تشمل القرارات التى ‬سوف‮ ‬يعلنها الرئيس فى ‬خطابه اعتقالات فى ‬صفوف المعارضة والإعلاميين،‮ ‬كما سيكشف الرئيس عن مؤامرة الثورة المضادة - ضده،‮ ‬كما سيدعو إلى ‬إجراء استفتاء على ‬حل المحكمة الدستورية‮.. ‬وأكد المصدر أن اعتصام الجمعة 28 يونيو الذى ‬ستنظمه الجماعة وحلفاؤها لن‮ ‬يقتصر فقط على ‬مسجدى ‬رابعة العدوية والرحمن الرحيم وإنما سيشمل أماكن أخرى ‬لم تحدد‮.‬

لقد أثارت هذه المعلومات حالة من القلق الشديد فى ‬البلاد،‮ ‬وأكدت أن خطاب الرئيس لن‮ ‬يمر مرور الكرام،‮ ‬والهدف منه إجهاض أى ‬تحركات شعبية قبيل الثلاثين من‮ يونيو‮.‬

وفى ‬هذا اليوم كنت قد صرحت فى ‬أكثر من وسيلة إعلامية بأن قائمة تضم‮ ‬36‮ ‬ إعلامياً وسياسياً قد صدرت أوامر باعتقالهم من الرئيس شخصياً،‮ ‬وأن وزارة الداخلية وجهازالأمن الوطنى ‬والمخابرات العامة‮ ‬يرفضون تنفيذ أمر الاعتقال،‮ ‬وكذلك الحال مع الأجهزة الأمنية‮ ‬الأخرى،‮ ‬وقد تأكد ذلك الكلام عبر حديث أدلى ‬به وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم فى ‬شهر أغسطس‮ ‬ 2013‮ ‬ إلى ‬قناة‮ «‬سى ‬بى ‬سى» ‬عندما قال‮ «‬إن وزارة الداخلية رفضت تنفيذ تعليمات الرئيس بالقبض على ‬بعض الإعلاميين والسياسيين‮».‬

فى ‬مساء هذا اليوم حالت الظروف دون لقاء الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوات الدفاع الجوى، مع طارق خليل، أحد مستشارى ‬الرئيس، كما هو محدد له فى ‬الخامسة مساء‮.‬

كان الفريق أول السيسى ‬على ‬يقين بأن خطاب الرئيس مرسى ‬سيمثل مفاجأة سعيدة للمصريين، ‬لقد التقى ‬أحد كبار المسئولين قبيل الخطاب بقليل، ‬وقال له‮: ‬خطاب الرئيس سوف‮ ‬يكون إيجابياً جداً ويُنهى ‬الأزمة الناشبة فى ‬المجتمع‮.‬

كانت الرئاسة وقبيل الخطاب بيوم واحد قد أصدرت بياناً نفت فيه صحة ما نشر، منسوباً للدكتورة باكينام الشرقاوى، مساعدة الرئيس للشئون السياسية، بشأن اعتزام الرئيس الإعلان فى ‬خطابه الأربعاء دعوة الناخبين للاستفتاء حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ‮‬ولكن ذلك لم‮ ‬يجعل السيسى ‬يفقد الأمل فى ‬التزام الرئيس بما جرى ‬الاتفاق عليه ظهر ذات اليوم‮.‬

فى ‬نحو الثامنة والنصف تقريباً، كان وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم قد وصل إلى ‬قاعة الاستقبال الرئيسية حتى ‬يكون فى ‬استقبال رئيس الجمهورية، وبمجرد وصوله استقبله المهندس أبوالعلا ماضى، رئيس حزب الوسط، ‮المتحالف مع جماعة الإخوان، وبادره بالقول‮: ‬

ـ‮ ‬ياسيادة الوزير‮ ‬يعنى ‬إيه حتحمى ‬المظاهرات السلمية وموش حتحمى ‬مقرات الإخوان، عموماً كل واحد بياخد موقف سيُحاسَب عليه‮.‬

نظر الوزير إلى ‬أبو العلا ماضى، ‬وقال له بلهجة حاسمة‮ «لا انت ولا‮ ‬غيرك هيعرفنا شغلنا‮»‬، ‮ثم تركه ومضى ‬إلى ‬قاعة الاستقبال‮.‬

كان قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة قد وصلوا منذ قليل إلى ‬قاعة الاستقبال، ‬سأل أحدهم الفريق عبدالمنعم التراس‮: ‬ماذا لو تطاول المحتشدون الإخوان داخل القاعة على ‬الجيش؟ كان رد الفريق التراس ‮«لن‮ ‬يجرؤوا على ‬ذلك، ‬ولو فعلوها لن ننسحب من القاعة وساعتها لكل حدث حديث».‬

كانت الإجراءات الأمنية التى ‬اتخذها الجيش حول قاعة المؤتمرات هى ‬إشارة لكل من‮ ‬يعنيهم الأمر، ‬وكان محمد مرسى ‬يدرك أن الجيش قد وضعه فى ‬موقف صعب، غير أنه سيفاجئ الجميع، خاصة الفريق السيسى، ‬بمضمون ما سيحويه الخطاب‮.‬

قبيل الخطاب الذى ‬ألقاه الرئيس السابق محمد مرسى، فى ‬يوم الأربعاء‮ ‬26‮ ‬يونيو‮ ‬2013، كان مكتب الإرشاد قد بعث برسالة تتضمن القضايا التى ‬يتوجب على ‬الرئيس التركيز عليها، ‮‬تجاهل الرئيس ما اتفق عليه مع الفريق أول السيسى، ‮ ‬قرأ نص الوثيقة المرسلة من مكتب الإرشاد ترجمها فى ‬خطابه، ‮وقد كشفت فى ‬حديث تليفزيونى ‬عن مضمون هذا النص قبيل خطاب الرئيس بساعات قليلة، ‬ويا للعجب فإن كل ما قلته نقلا عن الوثيقة الإخوانية ذكره الرئيس فى ‬خطابه ذات المساء‮.‬

لقد تضمنت مسودة الخطاب التى ‬أعدها فريق من الباحثين الإخوان، وقدمت إلى ‬الرئيس مرسى ‬لتكون هى ‬مضمون خطابه فى ‬اليوم نفسه، عدداً من القضايا التى ‬تم التركيز عليها ومنها‮: ‬

ـ الرد على ‬الحملات الإعلامية الموجهة ضد الرئيس‮.‬

ـ توجيه انتقادات حادة إلى ‬ما سمته الوثيقة‮ (‬جبهة التخريب‮)‬، ‬تقصد جبهة الإنقاذ‮.‬

ـ كشف مؤامرات رموز النظام السابق ضد الرئيس‮.‬

ـ توضيح حقائق الموقف الاقتصادى ‬الحالى‮.‬

ـ كشف مؤامرات بعض الدول الخارجية ضد مصر‮.‬

ـ رفض تقديم أية تنازلات تتعلق بشرعية الرئيس‮.‬

ـ الوعد بالالتزام بتطبيق الحد الأدنى ‬للأجور‮.‬

ـ التركيز على ‬الأسباب الحقيقية لأزمة السولار والبنزين‮.‬

ـ التحدث بإسهاب عن تاريخ الرئيس وسيرته الحياتية بطريقة عاطفية‮.‬

ـ التحذير من خطورة مظاهرات‮ ‬30‮ ‬يونيو والتهديد بمحاسبة المتورطين‮.‬

ـ الخطاب‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون صلباً وفيه بعض القسوة وإظهار الجانب الآخر الشرس للقائد‮.‬

ـ طرح خطط واضحة للسيطرة على ‬الأمن فى ‬مصر‮.‬

ـ ذكر جميع الإنجازات التى ‬تمت خلال فترة الحكم‮.‬

ـ التأكيد على ‬تبنى ‬خطة للمشاريع المستقبلية‮.‬

فى ‬حوالى ‬التاسعة والنصف دخل إلى ‬قاعة الاجتماعات كبار المسئولين استعداداً لخطاب الرئيس، ‬وبمجرد أن دخل وزير الداخلية إلى ‬القاعة اشتعلت الهتافات المعادية له ولرجال الشرطة، نظر الوزير فى ‬الصف الخلفى ‬فوجد بعض زملائه من الوزراء الإخوان، فطلب منهم إسكات هذه الأصوات ووقف الهتافات، وما هى ‬إلا ثوانٍ‮ ‬معدودة حتى ‬استجاب الذين كانوا‮ ‬يرددون الهتافات لوقفها بعد صدور التعليمات إليهم‮.‬

كان المطلوب إرهاب وزير الداخلية وممارسة الضغط عليه، ‬إلا أن الوزير كان‮ ‬يعرف أبعاد المؤامرة، وكان على ‬قناعة بأنه لن‮ ‬يغير موقفه وأنه لن‮ ‬يورط الشرطة فى ‬الصدام مجدداً مع الشعب‮.‬

غاب عن هذا الخطاب قداسة البابا‮ «تواضروس» ‬والدكتور‮ «أحمد الطيب» ‬شيخ الأزهر، رغم توجيه الدعوة إليهما، وكان الغياب متعمداً ويمثل نوعاً من أنواع الاحتجاج؛ حيث تعرض البابا لإهانات وانتقادات عديدة من رموز الجماعة والسلطة، ‬كما أن شيخ الأزهر كان‮ ‬يعرف أن هناك مؤامرة لإبعاده من مشيخة الأزهر وأن الرئيس لا‮ ‬ينسى ‬له أنه استقبل منافسه الفريق أحمد شفيق فى ‬بيت العائلة بالقرنة بالأقصر‮.‬

وكان شيخ الأزهر‮ ‬يدرك أن ما كان‮ ‬يجرى ‬فى ‬جامعة الأزهر وتسميم الطلاب والتظاهرات والاعتصامات التى ‬أعقبت ذلك هى ‬عملية مقصودة، هدفها إجبار شيخ الأزهر على ‬الاستقالة، حتى ‬يفُتح الطريق أمام الشيخ‮ ‬يوسف القرضاوى ‬لتولى ‬منصب شيخ الأزهر بديلاً‮ ‬عن الدكتور أحمد الطيب‮.‬

دخل الرئيس إلى ‬قاعة الاحتفال، ‬ردد الحاضرون هتافات التأييد للدكتور مرسى، ‬بدأ الرئيس خطابه بكلمات‮ ‬غير مترابطة وعبارات‮ ‬غير مفهومة، استخدم فيها لغة استفزازية، ‬وجَّه خلالها اتهامات لشخصيات عديدة، ‮وتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور‮.‬

أكاذيب متعددة حواها حديث‮ «‬الرئيس» ‬السابق محمد مرسى، ادعاءات، ‬تصفية حسابات، ‬اتهامات دون سند أو دليل، ‬وصلت إلى ‬حد إدانة قضاة ورجال أعمال وقادة سياسيين وإعلاميين على ‬الهواء مباشرة‮.‬

وبعيداً عن اللغة المتدنية، ‬والإهانات، ‬وسب فئات كثيرة من أبناء الشعب المصرى، ‬وبعيداً عن تجاوز الحقائق، ‮‬والوعود الزائفة، ‬ثمة أكاذيب حواها الخطاب والتى ‬دفعت البعض إلى ‬القول إن محمد مرسى ‬لو شاهد خطابه مرة أخرى ‬فحتماً سينزل معنا مظاهرات‮ ‬30‮ ‬يونيو للمطالبة برحيل محمد مرسى‮!!‬

لقد صبَّ‮ «‬الرئيس» ‬السابق جام‮ ‬غضبه على ‬النائب العام الشرعى ‬المستشار عبدالمجيد محمود، ‬اتهمه واتهم النيابة العامة بأنها لم تجتهد فى ‬تقديم الأدلة؛ ولذلك حدثت البراءات التى ‬أصدر فيها القضاء أحكامه، ‮ ‬وحمَّله مسئولية فشل قضية مبارك؛ لأنه ‮-‬قال إيه‮- ‬لم‮ ‬يقدم تقرير لجنة تقصى ‬الحقائق، ‬ويبدو أن الرئيس لا‮ ‬يعلم حتى ‬الآن أن مبارك قد أدين بالمؤبد فى ‬القضية، وكذلك الأمر بالنسبة لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، ‮ثم إن النيابة العامة قدمت التقرير الذى ‬تحدث عنه إلى ‬المحكمة، وفقاً لتصريحات المستشار عبدالمجيد محمود التى ‬أدلى ‬بها‮ ‬عقب خطاب الرئيس إلى ‬قناة دريم‮.‬

لقد اتهم النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بأنه وراء‮ ‬غياب الأدلة فى ‬قضية موقعة الجمل، ‮ ‬ولذلك حصل المتهمون جميعاً على ‬أحكام بالبراءة، ‬رغم أنه‮ ‬يعلم أن النيابة العامة لم تكن لها علاقة من قريب أو بعيد بهذه القضية، وأن هناك قاضى ‬تحقيق عُين من وزير العدل هو الذى ‬تولى ‬التحقيق فى ‬القضية من البداية إلى ‬النهاية وهو الذى ‬قدمها إلى ‬هيئة المحكمة‮.‬

لقد سخر الرئيس السابق من لجوء النائب العام الشرعى ‬إلى ‬محكمة النقض، واعتبر أن ذلك‮ ‬يُعَد انقلاباً على ‬الشرعية‮!!‬ ‬وهو أمر كان‮ ‬غريباً أن‮ ‬يصدر عن رئيس‮ ‬يعرف أن الملاذ الوحيد للمصريين فى ‬مواجهة السلطة هو اللجوء إلى ‬القضاء‮!!‬

وتحدث محمد مرسى ‬عن الفريق أحمد شفيق، ‬مجرداً من أى ‬أوصاف، كان حديثه‮ ‬يعكس‮ «غلاً‮ ‬وحقداً»‬ وخوفاً ورعباً من احتمالية عودته إلى ‬مصر فى‬30‮ ‬ يونيو، ‬كما سبق أن تردد‮.‬

اتهمه اتهامات ظالمة لم‮ ‬يحسم القضاء أمرها، ‬كان الرجل لا‮ ‬يزال بريئاً حتى ‬هذا الوقت فى ‬نظر العدالة ونظر الناس، ومع ذلك راح‮ ‬يتهمه بأنه مدان فى ‬قضايا أرض الطيارين، ‮بل جاء إليه بقضية جديدة متعلقة بصفقة شراء طائرات‮ «البوينج‮»، وزعم أنه اشترى ‬صفقة الطائرات بأسعار أعلى ‬بكثير من أسعارها الحالية، ‬وكان‮ ‬يجب على ‬د. مرسى ‬قبل أن‮ ‬يتهم الفريق شفيق بصفته وزيراً سابقاً للطيران أن‮ ‬يتساءل عن أعضاء لجنة المشتريات التى ‬تضم رئيس الشركة القابضة للطائرات ومحافظ البنك المركزى ‬والعديد من رجالات الاقتصاد، ‬دون أن‮ ‬يكون لوزير الطيران أى ‬علاقة بذلك‮.‬

لم‮ ‬يكن الرئيس السابق‮ ‬يعلم أن سعر الطائرة وهى ‬تباع فى ‬مرحلتها الأولى ‬تكون بأسعار أكبر بكثير من بيعها بعد ثمانى ‬أو عشر سنوات، ‬ثم إنه وهذا هو الأهم، ‮ليست هناك قضية أو بلاغ‮ ‬مقدم ومدعم بالمستندات‮ ‬يتهم أحمد شفيق بالضلوع فى ‬الصفقة أو الحصول على ‬عمولات، كما أن شركة‮ «‬بوينج» ‬أصدرت بياناً فى ‬اليوم التالى ‬كذَّبت فيه ادعاءات مرسى، ‬وقالت إن سعر الطائرة البوينج فى ‬هذا الوقت كان‮ ‬70‮ ‬مليون دولار وليس‮ ‬148‮ ‬مليون دولار، كما ادعى ‬مرسى ‬وزعم أن حكومته اشترتها بـ98‮ ‬ مليون دولار مؤخراً‮.‬

لقد راح‮ «الرئيس» ‬يوجه اتهاماً إلى ‬أحد القضاة بالتزوير، ‮إنه القاضى ‬على ‬النمر، الذى ‬هو ضمن هيئة المحكمة التى ‬تحاكم الفريق أحمد شفيق، ‬أمام الرأى ‬العام دون سند أو دليل، لقد وجه إليه اتهاماً ظالماً دون سند أو دليل، ‮ ‬حيث ادعى ‬أنه رأى ‬بأم عينيه عندما كان مرشحاً فى ‬انتخابات مجلس الشعب‮ ‬2005‮ ‬ـ التى ‬لم‮ ‬يفز فيها، هذا القاضى ‬كان‮ ‬يقوم بنفسه بتزوير الانتخابات البرلمانية لصالح المنافس‮.‬

كان الاتهام ظالماً، ‬لا‮ ‬يحوى ‬دليلاً‮ ‬ولا تحقيقاً ولا حكماً صادراً من محكمة ولا إحالة للصلاحية، ‬لكن الناس تساءلت‮: ‬إيه الحكاية؟‮!‬

والحكاية وفقاً للرواية التى ‬سمعتها من أشخاص نافذين أن محمد مرسى ‬علم أن المحكمة التى ‬تحاكم الفريق أحمد شفيق فى ‬قضية الطيارين كانت ستُصدر حكمها فى ‬العشرين من‮ ‬يونيو ببراءة أحمد شفيق فى ‬القضية وأنه لهذا السبب راح‮ ‬يتهم أحد قضاتها الشرفاء بهدف ابتزاز هيئة المحكمة‮.‬

لقد أراد مرسى ‬بهذا الاتهام النيل من هيئة المحكمة وتحريض الرأى ‬العام ضدها، ‬وممارسة الابتزاز عليها،‮ ‬وهى ‬ذات الطريقة التى ‬تحدث بها عن القضاة الأفاضل الذين رفضوا الخضوع للضغوط وأصدروا أحكامهم استناداً إلى ‬العدل والقانون وصحيح الأوراق المقدمة بالإدانة كانت أو بالبراءة‮.‬

كان مرسى ‬يشيد بالقضاء فى ‬خطابه، ‬وبعد ثوانٍ‮ ‬معدودة‮ ‬يشكك فى ‬أحكامه، ‬ويتهم قضاته بأبشع الاتهامات، ‮ونسى ‬أو تناسى ‬أنه هو الذى ‬استباح القضاء بالإعلان الدستورى ‬الصادر فى ‬21 نوفمبر من العام الماضى، ‮وأنه هو الذى ‬أعطى ‬الضوء الأخضر لحصار المحكمة الدستورية وإهانة قضاتها، ‬وأنه هو الذى ‬اتهم هيئة المحكمة بالتآمر واللعب من خلف ستار، وأنه هو من أصدر قراراً جائراً بعودة مجلس الشعب الباطل واتهام المحكمة الدستورية بإصدارها حكماً سياسياً لا‮ ‬يستند إلى ‬عدل أو قانون‮.‬

وكعادته راح مرسى ‬يردد مقولات جماعته واتهامهم للإعلام بأنه سبب الأزمات، ‮ ‬وأنه هو وراء فشل السياحة لأنه‮ ‬يدفع بكاميراته لتصور مناطق أثرية خالية من السياح، ‬بينما راح‮ ‬يقول إن حجم السياحة زاد مليوناً فى ‬عهده الميمون، ولم‮ ‬يقدم دليله على ‬حقيقة الأرقام الوهمية التى ‬أذاعها وأثارت سخط الكثيرين‮.‬

لقد حذر مرسى ‬الصحفيين والإعلاميين فى ‬خطابه، ‬وقال «كفاية‮ سنة»‬، أى ‬أنه منحهم عاماً وفقط، ولكن حان وقت الحساب، وقبل أن‮ ‬ينهى ‬جملته، انطلق نفر من عشيرته‮ ‬يهتفون‮: «‬ربيهم‮ ‬يا ريس» ‬على ‬نمط شعار‮ «إدينا الإشارة نجيبهم فى ‬شيكارة‮» ‬وهو الشعار الذى ‬ردده أنصاره الذين حاصروا المحكمة الدستورية‮.‬

واتهم مرسى ‬فى ‬خطابه رجل الأعمال محمد الأمين، ‮ ‬رئيس مجلس إدارة قناة‮ «‬سى‮. ‬بى‮. ‬سى» ‬بالتهرب من الضرائب، ‬وقال إن البنوك لها ‮ ‬3مليارات جنيه عند أحمد بهجت، رئيس مجلس إدارة قناة دريم، ‬ولم‮ ‬يقل للرأى ‬العام لماذا لم‮ ‬يجر التحقيق معهما أمام الجهات المختصة، ‬وهل‮ ‬يصح أن‮ ‬يحرض الرئيس على ‬أناس لا‮ ‬يزالون أبرياء حتى ‬الآن ويتهمهم بالاعتداء على ‬المال العام قبيل صدور حكم قضائى؟‮ ‬غير أن حقيقة الهدف اتضحت عندما قال‮ «‬يا ريت ساكتين، ‮ ‬إنما عاملين قنوات فضائية علشان تشتمنا»!!‬

كانت تلك هى ‬حقيقة الأمر، رئيس‮ ‬يصفى ‬حسابات، ‮‬أستطيع أن أتغاضى ‬عنك وأسكت عن تجاوزاتك إذا كنت معنا أو حولت قناتك أو صحيفتك إلى «‬بوق» ‬لنا، ‮لكن إذا قررت أن تواجهنا فحتماً سنشهِّر بك ونمنعك من السفر، ‬ونسعى ‬إلى ‬التنكيل بك‮!!‬

لقد تعمد الإساءة إلى ‬نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد، لمجرد أن مكرم عبر عن رأيه فى ‬هذا النظام، ‬كما وصف مرسى ‬إعلامية مرموقة بحجم‮ «لميس الحديدى» ‬بأنها‮ «بنت»، ‮وأراد أن‮ ‬يقول إنها‮ «‬قليلة الأدب» ‬لأنها لا تراعى ‬أنه مثل أبيها، ‬وراح‮ ‬يمسك بذقنه، لأنه رجل‮ «‬شايب» ‬لم‮ ‬يذكر اسمها لكنه كان‮ ‬يستهدفها، لأنها تسبب له هى ‬وغيرها صداعاً دائماً‮.‬

كانت اتهامات فى ‬المطلق لا تستند إلى ‬أدلة أو وقائع، ‮والغريب أنه راح‮ ‬يردد أنه‮ ‬يتفضل على ‬الصحفيين بأنه ألغى ‬الحبس الاحتياطى ‬فى ‬قضايا سب رئيس الجمهورية، ‮ونسى ‬أن الرئيس السابق حسنى ‬مبارك هو الذى ‬ألغى ‬الحبس فى ‬العديد من المواد عن الصحفيين‮.‬

وتحدث مرسى ‬عن الأوضاع الاقتصادية محملاً‮ ‬النظام السابق مسئولية تردى ‬الأوضاع والمسئولية عن ديون مصر والعجز فى ‬الموازنة العامة، وأجمل هذه الديون بالقول إن الديون الخارجية فى ‬عهد مبارك وصلت إلى ‬35‮ ‬ مليار دولار، بالإضافة إلى ‬ديون داخلية حوالى ‬177‮ ‬مليار دولار، ‬أى ‬أن مجمل الديون وصل إلى ‬212‮ ‬مليار دولار، ‬أى ‬1‭٫‬5‮ ‬ تريليون جنيه فى ‬مجملها‮.. ‬والحقيقة أن ديون مصر الخارجية فى ‬30 ‮ ‬يونيو من العام‮ ‬2012‮ ‬-أى ‬يوم تسلمه السلطة‮- ‬كانت‮ ‬33‮ ‬مليار دولار وزادت فى ‬عام واحد حكم فيها مصر‮ ‬إلى ‬44٫5 ‬ مليار دولار‮.‬

لقد زاد الدين المحلى ‬فى ‬عهد مرسى ‬من تريليون و100‮ ‬مليار جنيه إلى ‬تريليون وحوالى ‬350‮ ‬ مليار جنيه، ‮وأن عجز الموازنة كان قد وصل إلى ‬حوالى ‬135‮ ‬مليار جنيه قبل وصوله للحكم وزاد إلى ‬225‮ ‬ مليار جنيه بعد عام واحد من حكمه للبلاد، ناهيك عن زيادة معدلات البطالة وزيادة حجم التضخم وارتفاع الأسعار والأزمات التى ‬سببت حالة من الاختناق لجميع الفئات الاجتماعية فى ‬مصر‮.‬

أما عن أكذوبة البنزين والسولار واتهام أصحاب المحطات والعاملين بها بأنهم سبب الأزمة، فهذه أكذوبة جديدة، ‮لأن السبب بالأساس هو عجز الدولة عن توفير الأموال لاستيراد النفط الخام وبعض المواد الأخرى ‬وهو أمر انعكس على ‬معمل‮ «ميدور» ‬الذى ‬يعمل حالياً بنسبة40٪‮ ‬من طاقته، ‬بعد توقف العديد من البلدان التى ‬تعمد مرسى ‬الإساءة إلى ‬العلاقات معها عن تقديم كميات النفط الخام المطلوبة قبيل أن تحصل على ‬سعرها مقدماً‮.‬

واستخدم مرسى ‬فى ‬خطابه مصطلح الفلول والنظام السابق وأعداء الثورة عشرات المرات، ‬واتهم النائب السابق ممدوح فودة‮ «‬الدقهلية»، ‬والنائب مجدى ‬عاشور‮ «الشرقية‮» ‬وشخصاً لم‮ ‬يسمه فى ‬المعادى ‬بأنهم وراء استئجار البلطجية وهم الذين‮ ‬يقومون بعملية التمويل لشباب المتظاهرين فى ‬محمد محمود وغيره، اتهمهم دون سند أو دليل ولو كان لديه لأبلغ‮ ‬عنهم‮.‬

ثم إنه راح‮ ‬يتهم د. فتحى ‬سرور وفرقته بأنهم‮ ‬يقفون وراء ما‮ ‬يجرى ‬ويؤكد أنه عارفهم واحد واحد، ‬فهل‮ ‬يتصور عاقل أن رجل القانون الذى ‬بلغ‮ ‬من العمر ما‮ ‬يقارب الثمانين، ‬سيتفرغ‮ ‬لقيادة أعمال البلطجة والتآمر ضد محمد مرسى؟‮!‬

كان الخطاب مستفزاً، إنها نفس الادعاءات التى ‬تعوَّد أن‮ ‬يلقى ‬بها مرسى ‬فى ‬وجوه الجميع، تناقض كبير فى ‬الأقوال والأفعال، ‬فالرجل الذى ‬يفخر بأنه أطلق سراح جميع الذين تمت محاكمتهم سابقاً أمام المحاكم العسكرية‮ ‬يهدد بإحالة منتقديه إلى ‬المحاكم العسكرية وحبسهم، ‮‬والرئيس الذى ‬يتحدث عن البراءات التى ‬يحصل عليها رموز من النظام السابق أو ضباط الداخلية المتهمون فى ‬بعض القضايا هو نفسه الذى ‬يحول دون الإعلان عن نتائج التحقيقات فى ‬قضية استشهاد ‮ ‬16جندياً فى ‬سيناء، وهو ذاته الذى ‬غل‮ ‬يد الجيش والشرطة عن ‬القبض على ‬الذين اختطفوا جنودنا فى ‬سيناء، وقال‮: ‬«يجب أن نحرص على ‬سلامة الخاطفين والمخطوفين»، ‮ ‬وكأنه لا‮ ‬يريد القبض على ‬الخاطفين، لأنهم سيكشفون عن حقائق تقلب الأوضاع‮!!

قال عن كمال الشاذلى ‮-‬الذى ‬توفاه الله‮- ‬إنه واجهه فى ‬مجلس الشعب وقال له‮: «‬أنتم مجموعة من اللصوص‮»‬، ‬فرد عليه كمال الشاذلى ‬ببرود شديد وقال له‮: «‬أنتم ناس أطهار سيبوا لنا النجاسة‮»‬، ‬كان ذلك ‬غريباً ومدهشاً حتى ‬أصبح المشاهدون أمام أمر من اثنين‮:‬

إما أن الذى ‬كان ‬يحدثه «مرسى» ‬هو شخص شبيه بكمال الشاذلى، ‬فُهيئ له أنه كمال الشاذلى، ‬وإما أنه كان ‬يحلم وصدق الحلم‮.‬

الكل كان ‬يعرف أن كمال الشاذلى ‬ليس هو الشخص الذى ‬يمكن أن ‬يصمت أمام هذه الكلمات‮. ‬خاصة أنه كان فى ‬هذا الوقت فى ‬قمة نفوذه وسلطته، ‬ولكن «مرسى» ‬كان ‬يكذب كما ‬يتنفس‮.‬

وكان ‬غريباً أن ‬يشيد بالشرطة فى ‬الوقت الذى ‬أطلق فيه أنصاره لمحاصرة مقر الأمن الوطنى ‬وإهانة رجال الشرطة، ‬وينتقد القضاء إذا أفرج عن بعض المتهمين منهم‮.‬

كذلك الحال فى ‬حديثه عن الجيش، ‬لقد أراد أن ‬يقول إن الجيش معى، ‬وأنا قائدهم الأعلى ‬وإن الفريق أول السيسى ‬ينفذ تعليماتى ‬وإن هناك متآمرين ‬يحاولون الإساءة للعلاقة بين مؤسسة الرئاسة وبين القوات المسلحة، ‬وقِس على ‬ذلك‮.‬

لقد بدا الرئيس مرسى ‬فى ‬هذا الخطاب فاقد الأعصاب، ‬انتقامياً ‬يسعى ‬متعمداً إلى ‬تشويه خصومه والإساءة إليهم، ‬ويشكك فى ‬جميع مؤسسات الدولة المصرية بلا استثناء، ‬بل ‬يسب الشعب المصرى ‬ويتعمد الإساءة إليه‮.‬

كما أنه بهذا الخطاب أساء لصورة ومنصب رئيس الجمهورية؛ حيث راح ‬يخوض معارك صغيرة ويتهم الناس دون سند أو قانون ويستخدم ألفاظاً من عينة‮: «‬نحن ‬غير قابلين للانضغاط، ‬البنت دى، ‬عقرب بيقرصنا‮» ‬وقِس على ‬ذلك‮.‬

لقد بدا فى ‬الخطاب وكأنه الحاكم الإله، ‬وضح ذلك من حديثه الذى ‬لا ‬يقبل الجدل وتعليماته التى ‬لا تستند إلى ‬دليل ومنها قوله‮: «‬خلال أسبوع أطلب من جميع المسئولين إقالة المتسببين فى ‬الأزمات‮»‬، ‬هكذا دون تحقيق أو حكم قضائى ‬ولكن بإساءة استخدام السلطة فى ‬قرارات انتقامية وغير مدروسة الهدف منها إبعاد القيادات عن مناصبها بحجج واهية وتعيين عناصر إخوانية بدلاً ‬منها، ‬وقد منح المسئولين أسبوعاً فقط للإجهاز على ‬هؤلاء جميعاً‮!!‬

ووضح أنه لديه رعب ومخاوف من النظام السابق الذى ‬مات وانتهى، ‬فراح ‬يختلق عدواً وهمياً ويلقى ‬عليه بمسئولية فشله ويطالب القضاء بحبس جميع هذه الرموز، ‬ويصنع من نفسه قاضياً، ‬ويتساءل‮: ‬لماذا لم ‬يلق القبض على ‬محمود وجدى ‬فى «‬موقعة الجمل»؟ ويتوعد مَن حصلوا على ‬البراءة بالمطاردة إلى ‬آخر العمر، ‬مع أنه لا ‬يزال هارباً من العدالة ومتهماً فى ‬قضية تخابر لم ‬يأتِ ‬على ‬ذكرها‮.‬

لقد كان أهم ما فى ‬هذا الخطاب المهين أن الرئيس السابق استطاع على ‬مدى ‬ساعتين ونصف الساعة أن ‬يحشد المترددين من المصريين ليحسموا أمرهم ويقرروا النزول فى ‬مظاهرات ‬يوم ‬30 ‬ يونيو بعد أن وجدوا أنفسهم أمام رئيس لا ‬يعى ‬حقائق الأمور، ‬وليس لديه الاستعداد لسماع صوت الناس، ‬ويرفض بكل عناد الاستجابة لمطالبهم المشروعة، ‬ويتعامل بمنطق «‬أنا ربكم الأعلى».‬

كان الذهول ‬يسيطر على ‬الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ‬لقد فوجئ بخطاب آخر ‬غير ذلك الذى ‬اتفق عليه مع الرئيس مرسى، ‬الآن أدرك أنه لا فائدة، ‬ولا أمل من وراء محمد مرسى، ‬فهو رجل أخلف الوعد مجدداً، ‬وانقلب على ‬كل ما جرى ‬الاتفاق عليه معه حول مضمون الخطاب‮.‬

لقد رفع متظاهرو وزارة الدفاع الذين اعتصموا هناك منذ الحادى ‬والعشرين من ‬يونيو الأحذية فى ‬مواجهة خطاب «مرسى» ‬وظلوا ‬يرددون شعار «‬ارحل‮» ‬حتى ‬صباح اليوم التالى‮.‬

وبعد ساعات قليلة من الخطاب، ‬بدأت عملية إرهاب القضاة، ‬حيث تمت إحالة ‬32 ‬قاضياً للتحقيق بتهمة تزوير انتخابات البرلمان فى ‬دورتى ‬2005 ‬و2010، ‬وكان المستهدف من وراء قرار الإحالة هو القاضى ‬محمد أحمد النمر الذى ‬اتهمه «مرسى» ‬فى ‬خطابه بتزوير انتخابات ‬2005، ‬فى ‬الدائرة التى ‬لم ‬ينجح فيها محمد مرسى‮.‬

ولقد أمر النائب العام المعين «‬طلعت إبراهيم‮» ‬فى ‬نفس اليوم بتشكيل لجنة لحصر جميع القضايا والبلاغات ‬غير المقيدة بنيابة أمن الدولة العليا تمهيداً لاستئناف التحقيقات وعرض النتائج على ‬الرأى ‬العام فى ‬حينه‮.‬

كما أصدر قراراً بمنع محمد الأمين رئيس قنوات (‬سى ‬بى ‬سى‮) ‬من السفر بعد الخطاب، ‬وفى ‬هذا الوقت أعربت «الخارجية» الأمريكية عن قلقها البالغ ‬إزاء الأحداث فى ‬مصر‮، ‬مشيرة إلى ‬أن خطاب «مرسى» ‬خلا من خطوات محددة وفقاً لما دعت إليه واشنطن بشأن الإصغاء لأصوات الشعب المصرى.‬

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية (‬جنيفر ساكي‮): «‬إننا قلقون للغاية إزاء ما نراه على ‬أرض الواقع فى ‬مصر، ‬وندرك أن هذا وضع متوتر للغاية ويتحرك بسرعة‮».‬

وقالت: «‬إننا نراقب الموقف عن كثب شديد، ‬وما زلنا نعتقد أنه بطبيعة الحال فإن الشعب المصرى ‬يستحق حلاً ‬سياسياً للأزمة الحالية، ‬وإن الخطاب الذى ‬ألقاه مرسى ‬الليلة الماضية خلا إلى ‬حد كبير من خطوات محددة، ‬وقد قلنا إنه ‬يجب أن ‬يفعل أكثر من ذلك ليكون حقاً مستجيباً ومعبراً عن دواعى ‬القلق المبررة التى ‬أعرب عنها الشعب المصرى، ‬ومما ‬يؤسف أن ذلك لم ‬يكن جزءاً مما تحدث عنه الخطاب‮».‬

وقالت المتحدثة الأمريكية: «‬إن الرئيس أوباما ووزير الخارجية جون كيرى ‬وآخرين قد نقلوا لنظرائهم أنه من المهم للرئيس مرسى ‬الاستماع إلى ‬الشعب المصرى ‬واتخاذ خطوات للتعامل مع جميع الأطراف‮».‬

لم ‬يعطِ «مرسى» ‬وجماعته اهتماماً لقلق الإدارة الأمريكية، ‬لم ‬يراجع مواقفه، ‬ظل على ‬طريقه، ‬تجاهل الأصوات التى ‬خرجت فى ‬الميادين تطالب بإسقاط حكمه، ‬رفض نصائح قادة الجيش، ‬فقط كان ‬يستمع إلى ‬تعليمات مكتب إرشاد الجماعة ويعمل على ‬تنفيذها، ‬كانت لديه ثقة ‬غريبة فى ‬أن كل شىء سينتهى ‬خلال أيام، ‬وأنه سينتصر على ‬الجميع، ‬وسيحاسب الكافة بلا استثناء‮.‬

استمرت تداعيات خطاب السادس والعشرين من ‬يونيو، ‬لقد راح المصريون ‬يعلنون سخطهم على ‬هذا الخطاب الذى ‬أكد فيه الرئيس مرسى ‬أنه ماضٍ ‬فى ‬طريقه، ‬وأنه ‬يعد لهجمة انتقامية ضد الشعب وضد معارضيه، ‬لقد قالها بكل قوة «‬كفاية عليكم سنة‮»!!‬

كان هذا التحذير ‬يعنى ‬أن الرئيس قرر اتخاذ إجراءات استثنائية ضد جميع معارضيه، ‬وأنه ‬يرفض الاستماع إلى ‬صوت الشعب، ‬وأنه قرر تحدى ‬الجيش وعدم الاستجابة للتحذير الذى ‬وجهه الفريق أول عبدالفتاح السيسى ‬يوم الأحد ‬23 ‬يونيو، ‬والذى ‬منح فيه الرئيس مدة أسبوع ‬لإنهاء الأزمة والاستجابة لمطالب الشعب‮.‬

كانت قواعد الجيش فى ‬حالة ‬غليان، ‬خاصة بعد وصول الأنباء التى ‬أشارت إلى ‬أن محمد مرسى ‬كان ‬يعد مخططاً لعزل قيادات الجيش وقيادات أخرى ‬عديدة‮.‬

وصلت معلومات إلى ‬جهاز المخابرات العامة أن الرئيس كان ‬يستهدف أيضاً القبض على ‬اللواء رأفت شحاتة رئيس المخابرات العامة وعدد من قادة الجهاز الآخرين، ‬ولذلك ظل اللواء شحاتة داخل الجهاز ولم ‬يغادره إطلاقاً من مساء ‬28 ‬يونيو حتى ‬انتصار الثورة بعد الثالث من ‬يوليو‮.‬

كانت الأجواء تنذر بمخاطر عديدة، ‬وكانت الجماعة تستعجل الرئيس لاتخاذ إجراءاته العاجلة والسريعة فى ‬مواجهة معارضيه، ‬غير أن الشارع كان ‬يتحدث فى ‬هذا الوقت عن موعد تدخل الجيش لحسم الأمر والانحياز إلى ‬الإرادة الشعبية‮.‬

كان السؤال المطروح فى ‬هذا الوقت‮: ‬هل ‬يتدخل الجيش بعد أسبوع من ‬انطلاق التظاهرات أم بعد أسبوعين؟‮!‬

كانت خطة «الجماعة» تقول‮: ‬إن مظاهرات ‬30 ‬يونيو لن تكون كبيرة، ‬وإنها لن تستمر طويلاً، ‬فعلينا أن نتحمل الأيام الأولى ‬منها ثم سيأتى ‬شهر رمضان بعد أيام قليلة، ‬ولن ‬يجد المصريون أمامهم من طريق سوى ‬الذهاب إلى ‬منازلهم وترك الشوارع، ‬وساعتها سيكون الإخوان قد حققوا انتصارهم الكبير، ‬فيضعوا حداً للمعارضين، ‬ويؤدبوا «‬المارقين‮»‬، ‬لتنطلق بعدها الخطة الكبرى ‬لأخونة الدولة، ‬وإحلال دولة «‬الجماعة‮» ‬محل الدولة «‬العميقة‮»!!‬

وفى ‬السابع والعشرين من ‬يونيو استقبل الرئيس مرسى ‬وزير العدل المستشار أحمد سليمان ومعه المستشار حاتم بجاتو وزير الدولة لشئون المجالس النيابية، ‬وفى ‬هذا اللقاء أعرب وزير العدل عن ‬غضبه وغضب القضاة من الإهانات التى ‬وجهها الرئيس مرسى ‬لأحد القضاة واتهامه بالتزوير، ‬فقال «مرسى»‮: ‬وماذا نفعل؟ قال وزير العدل‮: ‬أرجو أن تصدر توضيحاً تؤكد فيه احترام القضاء وكتب له صيغة بيان بذلك، ‬كان د. أحمد عبدالعاطى ‬حاضراً هذا اللقاء فأمسك بالورقة وقام بتمزيقها، ‬وقال لـ«مرسى»: ‬لا تقدم أى ‬توضيح، ‬ومن ‬يريد أن ‬يضرب رأسه فى ‬الحائط فليفعل‮.. ‬لم ‬يعلق محمد مرسى، ‬وكان وزير العدل مذهولاً ‬ولم ‬يجد أمامه سوى ‬أن ‬ينصرف فى ‬صمت، ‬واكتفى ‬بأن قدم له أسماء المرشحين للنيابة العامة وهيئة قضايا الدولة‮.‬

وفى ‬هذا اليوم أيضاً التقى ‬الرئيس مرسى ‬وزير الاستثمار ‬يحيى ‬حامد ومعه فريق من كبار المسئولين بالوزارة، ‬حيث أعلن أنه طرح على ‬الرئيس خطة الوزارة التى ‬تستهدف خلق فرص عمل جديدة فى ‬البلاد‮.‬

كان «مرسى» ‬يستهدف من وراء هذه اللقاءات التأكيد أنه ماضٍ ‬فى ‬طريقه، ‬وأنه ليس منشغلاًَ ‬بالتظاهرات المتوقعة فى ‬30 ‬يونيو.‬

وفى ‬يوم الجمعة الثامن والعشرين من ‬يونيو، ‬بدأت الجماهير تزحف إلى ‬ميدان التحرير وقصر الاتحادية والعديد من المحافظات الأخرى، ‬احتشد مئات الآلاف الذين كانوا ‬يطالبون برحيل مرسى ‬وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة‮.‬

كان المشهد فى ‬ميدان التحرير باعثاً للأمل، ‬لقد امتلأ الميدان عن آخره، ‬بينما راحت الحشود تزحف إلى «‬رابعة العدوية» من أعضاء جماعة الإخوان وحلفائهم بهدف إرهاب المتظاهرين السلميين المعارضين لسياسة الجماعة وحكم الرئيس‮!!‬

اجتمع مكتب الإرشاد مساء ذات اليوم، ‬استمر الاجتماع لفترة طويلة، ‬درسوا الموقف مجدداً، ‬وضعوا خطط المواجهة، ‬وأدركوا أن الساعات ‬المقبلة حاسمة‮.‬

فى ‬هذا اليوم أدركت قيادة «الجماعة» أن المعركة لن تكون سهلة، ‬ولذلك تم الإعداد لاجتماع لجميع قيادات ممثلى ‬الأحزاب والقوى ‬الإسلامية مع الرئيس فى ‬التاسع والعشرين من ‬يونيو، ‬أى ‬قبل انطلاق المظاهرات الكبرى ‬بيوم واحد‮.‬

وبالفعل عقد الاجتماع بقصر القبة، ‬وحضره قادة وممثلو الأحزاب الإسلامية المختلفة وهى‮: ‬الحرية والعدالة والنور والبناء والتنمية والراية والوسط والوطن والعمل الجديد والحزب الإسلامى ‬والأصالة والفضيلة والتوحيد العربى ‬وحزب الإصلاح السلفى‮.‬

كان العنوان الرئيسى ‬لهذا اللقاء‮: ‬كيف نتصدى ‬لمظاهرات ‬30 ‬يونيو، ‬ونعمل على ‬إفشالها؟ وكان الرئيس على ‬ثقة بأن كل شىء سينتهى ‬وأن النظام سينتصر، ‬ولذلك حتى ‬عندما طالبه البعض بضرورة اتخاذ إجراءات تهدئ ‬المشاعر الغاضبة وتُفشل المخطط، ‬قال لهم بكل ثقة‮: «‬لا تخافوا، ‬سيلقون على ‬أيدينا وأيديكم شر هزيمة إن شاء الله‮».‬

لقد طلب الرئيس من هذه الأحزاب ضرورة المشاركة فى ‬التصدى ‬للمظاهرات المعارضة، ‬بحشد قواها لمظاهرة ‬تأييد كبرى لـ«‬الشرعية‮» ‬تعطى ‬إشارة للداخل والخارج بأن الجماهير مع شرعية الرئيس وضد الآخرين‮.‬

انتهى ‬الاجتماع بعد مناقشات مطولة، ‬كان الكل ‬يدرك أن البلاد سوف تمضى ‬إلى ‬المجهول، ‬إلا الرئيس فقد كانت لديه ثقة ‬غريبة بأن الأمر مجرد «‬زوبعة فى ‬فنجان‮» ‬وأنه سوف ‬يجبر الجميع على ‬التراجع دون أن ‬يقدم أى ‬تنازلات‮.




Share this article :


تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة ومصداقية الخبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.



إرسال تعليق