أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بوفاة الجاسوس الإسرائيلي روبرت داسا عن عمر يناهز 91 عاماً. وتأتي وفاته بعد مرور نحو 70 عاماً على سقوط أكبر شبكة تجسس إسرائيلية في مصر في خمسينيات القرن الماضي. وكان داسا آخر الناجين من واحدة من أكبر الإخفاقات الاستخباراتية منذ تأسيس إسرائيل.وُلد روبرت داسا في 8 مايو/ أيار من عام 1933 في الإسكندرية بمصر، وكان الابن الثالث لزهرة ونسيم داسا. وينحدر والده، الذي ولد في الإسكندرية، من عائلة داسا المقدسية الأصل. بينما وصلت والدة روبرت إلى الإسكندرية قادمة من القدس أثناء الحرب العالمية الأولى، مع جدتها وأختها.والتحق روبرت بالمدرسة الابتدائية للجالية اليهودية المحلية، وتخرج من مدرسة ثانوية محلية سُمّيت على اسم موسى بن ميمون، أسسها الحاخام الأكبر للإسكندرية، موشيه فينتورا.
وعندما تأسست إسرائيل، شُكّلت الوحدة 131 في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي كانت معنية بإدارة عمليات الاستخبارات في الدول العربية، وخاصة أثناء الحروب.
وفي عام 1951، تم إرسال ضابط عامل في الوحدة، وهو الكابتن أبراهام دار، إلى مصر من أجل تجنيد نشطاء صهاينة شباب، فكان داسا من بين المُجندين.
وقد جند أبراهام دار عناصر في القاهرة والإسكندرية، ونظّمهم في مجموعات صغيرة. ومنذ ذلك الحين، صار روبرت وأصدقاؤه يعملون متخفين، ويتظاهرون بأنهم شباب عابث لا ينتمون على الإطلاق للتيارات الصهيونية.
وفي نهاية عام 1952، استُدعي روبرت داسا للتدريب في إسرائيل. ومن أجل مغادرة مصر، كان عليه الالتحاق بالدراسة الجامعية في فرنسا. وبعد قبوله، وصل إلى إسرائيل عبر فرنسا في يناير/ كانون الثاني من عام 1953، حيث خضع لبرنامج تدريب مكثف.
أثار قرار الحكومة البريطانية في عام 1954 سحب جيشها من مصر مخاوف كبيرة في إسرائيل. وقد اقترح أحد رجال الاستخبارات العسكرية تخريب المنشآت البريطانية والأمريكية في مصر سراً، لإجبار البريطانيين على مراجعة قرارهم.
أُرسل أفري إيلاد، ضابط الوحدة 131، لتشغيل مجموعة الإسكندرية فيما عُرف باسم العملية "سوزانا". وكانت خلية القاهرة مُعطلة آنذاك، حيث استقال قائدها الدكتور موشيه مرزوق قبل بضعة أشهر ولم يُعيّن بديل له.
وشارك روبرت في 3 عمليات تسببت في حرائق بسيطة دون وقوع إصابات. وكان من المقرر تنفيذ العملية الثالثة في 23 يوليو/ تموز؛ ذكرى الثورة المصرية عام 1952، التي تستهدف دور السينما في القاهرة والإسكندرية.
انفجرت العبوة الناسفة قبل الأوان بينما كانت لا تزال داخل جيب فيليب ناثانسون أحد المشاركين في العملية، عندما وقف على سلّم سينما ريو في الإسكندرية، وتم القبض عليه فوراً.
أُلقي القبض على داسا في اليوم التالي، وعلى أعضاء الخليتين في غضون أيام قليلة، ووُجهت إليهم اتهامات وقُدموا للمحاكمة. وكان قائدهم، أفري إيلاد، الوحيد الذي لم يُقبض عليه، حيث كان قد غادر البلاد.
وحُكم على الدكتور موشيه مرزوق قائد مجموعة القاهرة، وشموئيل عازار قائد مجموعة الإسكندرية بالإعدام شنقاً، ونُفذ الحكم في 31 يناير/ كانون الثاني من عام 1955، في حين حُكم على بقية أعضاء المجموعة بالسجن لمدة طويلة. وانتحر أحد أعضاء الاستخبارات الإسرائيلية، مائير بينيت، في أحد السجون المصرية. وتمكن قائد الخلية، أفري إيلاد، الذي كان متهماً بتسليم أعضاء الخلية إلى السلطات المصرية، من الفرار من مصر إلى أوروبا، ولكن حُكِم عليه فيما بعد بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة بيع وثائق إسرائيلية للمصريين.
وحُكم على روبرت داسا بالسجن لمدة 15 عاماً مع الأشغال الشاقة. وخلال فترة إقامته في السجن استخدم هو وزميله في الزنزانة ماير زعفران موهبتهما الفنية لتحسين ظروف معيشتهما فشاركا في معرض فني للسجناء. وفي السجن تعلم روبرت كيفية العزف على الآلات الموسيقية وانضم إلى أوركسترا السجن.
رُشّح داسا، الذي كان رياضياً، قائداً لفريق كرة السلة، ثم مدرباً له. واستخدم هذه المنصة للمغادرة مع الفريق إلى مباريات جرت في سجون أخرى، في محاولة لمقابلة زميلته مارسيل نينيو، التي كانت مسجونة في سجن للنساء.
وأُطلق سراح روبرت داسا وفيكتور ليفي ومارسيل نينيو وفيليب ناثانسون من السجن في فبراير/ شباط من عام 1968 كجزء من صفقة لتبادل الأسرى بعد حرب عام 1967.
وبعد وصولهم إلى إسرائيل، التحق روبرت بجامعة تل أبيب لدراسة اللغة والأدب العربي وتاريخ الشرق الأوسط، ومُنح رتبة رائد وخدم في مقر استخبارات الجيش الإسرائيلي.
وفي عام 1976، نشر الصحفي أفيزر جولان كتابه "عملية سوزانا". أمّا روبرت، فقد نشر كتابه الخاص "العودة إلى القاهرة" عام 1992، استعاد فيه أحداث عام 1954.
عمل روبرت داسا صحفياً في القسم العربي في هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية لسنوات عديدة، وكان العضو الوحيد في شبكة التجسس الذي عاد إلى مصر بعد توقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر في عام 1979. وزار مصر أكثر من عشرين مرة.
ولدى روبرت وزوجته دينا ثلاثة أبناء، وهما جدان لسبعة أحفاد.
في عام 2016 نشرت الصحف الإسرائيلية مجموعة وثائق تتعلق بعملية سوزانا التي كانت تهدف إلى تقويض علاقات القاهرة مع الولايات المتحدة وبريطانيا. وتُظهر الوثائق أن رئيس هيئة الاستخبارات في الجيش بنيامين جيبلي، بذل جهوداً كبيرة لتبرئة اسمه من هذه المسألة، ولكنها لم تفلح.
وكانت الخلية، التي أُلقي القبض على أعضائها في صيف عام 1954، تخطط لزرع قنابل في دور السينما، ومكتب بريد، ومؤسسات أمريكية في القاهرة والإسكندرية، مما يجعل الأمر يبدو وكأن زرع القنابل من عمل المصريين. ويبدو أن رئيس الوزراء آنذاك موشيه شاريت لم يكن لديه علم مسبق بالعملية التي أجبرت وزير الدفاع آنذاك بنحاس لافون على الاستقالة.
وفي عام 1960، أنكر جيبلي أنه كان هو صاحب القرار بإصدار الأوامر لتنفيذ الهجمات في مصر، وطلب من رئيس الأركان ووزير الدفاع تعيين لجنة تحقيق في الأمر، وأصر جيبلي على أنه أصدر الأوامر بتنفيذ الهجمات في مصر بناءً على تعليمات من لافون، وزير الدفاع.
وقد ظلت قضية لافون مصدر جدل كبير في إسرائيل لسنوات، بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
إرسال تعليق