وجاءت الوثيقة بعنوان «أسلحة نووية تابعة للاتحاد السوفييتى فى مصر» بتاريخ 30 أكتوبر 1973، وتخللتها بعض البيانات المشفرة، بجانب مسح صورة السفن الحربية محل الجدل، ونصها كالآتى:
«وصول المعدات المرتبطة بصواريخ سكود إلى مصر، فى موقعين مختلفين، يعزز من أدلة تصدير موسكو أسلحة نووية للشرق الأوسط.
معدات «سكود» تتضمن حاملا وقاذفا وتشبه منصات «سكود» المتواجدة فى مصر على بعد 10 أميال من جبال «طرة»، بجانب عربات نقل للإمداد داخل مطار القاهرة الدولى، تحمل كل منها صواريخ مغطاة.
منصات «سكود» عبارة عن «صواريخ أرض-أرض» تتمتع بقدرات 160 ميلا بحريا ولديها إمكانية حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية، مما يجعلها ذات إمكانيات عالية للقتال ضد الأهداف الإرهابية والوقوف ضد تهديدات المدن.
هناك أكثر من دليل يثبت لجوء شحن السوفييت أسلحة نووية إلى مصر، باستخدام صواريخ «سكود».
فى 22 أكتوبر 1973، مع عبور سفينة «Mozhddrechenk» عبر تركيا من جهة البحر الأسود فى اتجاه البحر الأبيض المتوسط، وصلت السفينة ميناء الإسكندرية يوم 24 أكتوبر وغادرت يوم 27 أكتوبر، وتمت مراقبتها أثناء العودة إلى البحر الأسود يوم 29 أكتوبر.
ورغم عدم حسم الأدلة، فإن هناك احتمالا كبيرا بأن الاتحاد السوفييتى أوجد أسلحة نووية فى منطقة الشرق الأوسط.
احتمالات وجود أسلحة نووية:
إذا كانت السفينة Mezhdurechens أوصلت بالفعل أسلحة نووية إلى الإسكندرية، فمن المحتمل أن تلك الأسلحة كانت مجهزة لاستخدامها عبر أجهزة التوصيل الموجودة فى مصر، أو عبر الأسطول السوفييتى فى البحر المتوسط.
يوجد بالفعل بعض أنظمة الأسلحة بقدرات تقليدية أو نووية فى مصر، وبجانب «سكود» يوجد «FROG 7» وهى مدافع تكتيكية «أرض-أرض» التى تسع لحمل رؤوس حربية سعتها 3-9 كيلوطن لمسافة تصل إلى 43 ميلا، بجانب قاذفتين مقاتلتين (SU-7 وSU-17) ومفجر ضوء (IL-28) ومفجر (TU-16) الذى يمكنه حمل صواريخ «أرض- جو» ذات رؤوس حربية.
ومن المحتمل أيضا أن تكون سفينة Mezhdurechensk قد حملت أسلحة نووية إلى مصر لكى تستخدمها القوات البحرية السوفييتية، مع الأخذ فى الاعتبار أن بعض السفن الحربية التابعة للاتحاد السوفييتى التى تنتشر فى أنحاء البحر الأبيض المتوسط تحمل أسلحة نووية بالفعل.
حدث موقف مماثل أثناء حرب 1967، عندما عبرت سفينة تجارية البحر الأسود لتسليم ذخيرة غير نووية لسفينة حربية سوفييتية.
إذا تم تسليم أسلحة نووية لتستخدمها البحرية السوفييتية، كان من الممكن نقلها إلى الوحدات البحرية فى الإسكندرية أو إلى مستودعات الشواطئ.
فى الإسكندرية، توجد 3 سفن للإمداد والإصلاح، يمكن استخدامها مستودعات أسلحة على سطح الماء، بجانب تسهيلات التخزين الآمن على الشاطئ، والتى طورها السوفييت، قبل رحيل قواتهم فى يوليو 1972.
توقيت قرارات الاتحاد السوفييتى:
تم شحن صواريخ «سكود» فى أوائل يوليو 1973، ثم تم عقد تدريب للضباط المصريين على استخدام الصواريخ «أرض-أرض» فى منتصف أغسطس، ولم تصل أى معدات «سكود» بعد 14 أكتوبر.
قرار شحن أسلحة نووية إلى مصر، إذا تم اتخاذه من الأساس، ما زال من الصعب إثباته.
ونحن لا نعلم إذا كانت السفينة هى الوسيلة الوحيدة لتوصيل الرؤوس الحربية، وإذا كان ذلك صحيحا، فإن القرار ربما تم اتخاذه فى 19 أكتوبر تقريبا، كى يكون قبل قرار وقف إطلاق النار فى 22 أكتوبر، رغم أن موسكو استكملت إبحار السفينة بعد قرار وقف إطلاق النار.
هناك 3 دلائل متصلة بالتوقيت:
أولا: فى 16 أكتوبر أعلن الرئيس أنور السادات أن بلاده تمتلك مدفعيات مصرية الصنع تستطيع ضرب إسرائيل، وأشار لها باسم «Zafir»، وهى عبارة عن «صواريخ أرض-أرض» اختبرتها مصر فى أوائل الستينيات، وتوقفت بعد حرب 1967. ولم يكن رئيس وزراء الاتحاد السوفييتى، ألكسى كوسجين، حين وصوله للقاهرة يوم 16 أكتوبر، سعيدا بتصريحات السادات عن وجود قذائف وصواريخ، لأنه تخوف من معرفة الأمريكان بمصدر تلك الصواريخ.
ثانيا: فى 23 أكتوبر، ومع استمرار انتهاك قرار وقف إطلاق النار، أصدر الاتحاد السوفييتى بيانا يهدد بـ«عواقب وخيمة» ما لم تلتزم إسرائيل به.
ثالثا: فى كلمته أمام الكونجرس العالمى للسلام فى 26 أكتوبر، أشار ليونيد بريجنيف إلى أن مندوبين لموسكو تم إرسالهم إلى مصر، داعيا الولايات المتحدة إلى القيام بالمثل، ولكنه أدلى بتصريح مبهم «نحن نأخذ فى اعتبارنا أى إجراءات محتملة قد يستدعيها الموقف».
دوافع الاتحاد السوفييتى:
لا تزال هناك نقاشات ومحادثات عديدة ضد شحن الاتحاد السوفييتى لأسلحة نووية إلى مصر لصالح قواتهم الخاصة أو لاستخدامها فى الحرب العربية- الإسرائيلية.
اعتادت موسكو مراقبة أسلحتها النووية عن كثب، حتى فى شرق أوروبا، حتى أعضاء اتفاقية «وارسو» كان غير مسموح لهم برؤية تلك الأسلحة.
وفى حالة تشغيل الأسلحة على النظم الموجودة فى مصر، كان على الاتحاد أن يتوقع وقوع توترات خطيرة فى علاقاته بواشنطن.
وبرغم كل تلك التوقعات إذا أرسلت بالفعل أسلحة نووية إلى مصر، فقد كان عليهم الحفاظ على إسرائيل، وإبعادها عن أى انتصار عسكرى، فى ذات الوقت. فى 19 و20 أكتوبر، عندما كانت السفينة تحمل بضائعها، كان الإسرائيليون عند القنال لمدة 3 أيام، والحرب تتحول ضد العرب، فعدد القوات الإسرائيلية، غرب قناة السويس، يتزايد بسرعة، ولم تكن موسكو على علم بنوايا تل أبيب.
وسيناريو تدخل القوات السوفييتية لن يعطى الردع اللازم، وهنا أصبح التهديد باستخدام الأسلحة النووية، على تربة حليفة للسوفييت، ضد إسرائيل يقابله تهديد أمريكى مماثل.
ربما كانت الطبيعة التكتيكية للأسلحة فى مصر، كما كان يعتقد الاتحاد السوفييتى، هى التى ردعت إسرائيل، دون الحاجة لتدخل مباشر من القوات الاستراتيجية فى أمريكا والاتحاد السوفييتى.
وربما ربط الاتحاد السوفييتى بين أهمية وجود أسلحة نووية فى مصر، باحتمال ظهور القدرات النووية الإسرائيلية فى مشهد الحرب، سواء بشكل نفسى أو واقعى.
الاستنتاج: إن الدليل على وجود الأسلحة النووية ربما لا يكون قاطعا، لكنه يخلق حالة افتراضية قوية بأن الاتحاد السوفييتى أرسل أسلحة نووية لمصر.
وإن كان ذلك صحيحا، وكانت الأسلحة لا تزال هناك، فمن المؤكد أنها تحت السيطرة السوفييتية، خاصة صواريخ «سكود»، وربما تكون تحت السيطرة المصرية.
وفى النهاية، يجب على الاتحاد السوفييتى وضع اختيارات وجود أى طوارئ مستقبلية.
إرسال تعليق